إصلاح التعليم في مواجهة فيروس كورونا: الفرص والتحديات
- Post by: mustapha elalaoui
- 15 أغسطس 2020
- No Comment
أحمد الحارثي
استطاعت الحكومة المغربية إنقاذ الموسم الدراسي (2019-2020) من البياض في مواجهتها لآثار جائحة كوفيد 19 على المنظومة التعليمية، وقد ساعدها في ذلك ظهور الفيروس متأخرا من عمر الموسم الدراسي، والإسراع لوقف الدراسة الحضورية وتعويضها بالتعليم عن بعد مع إلغاء مجمل الامتحانات الإشهادية.
غير إن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لمواجهة الجائحة؛ غيرت من أولويات إصلاح التعليم بالمغرب بعد أقل من سنة عن المصادقة على القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، والذي أعطيت الأولوية في تنزيله للإصلاح البيداغوجي.
- تعليق الدراسة الحضورية؛ السلامة الصحية أولا
أمام حوالي 10 ملايين تلميذ وطالب، وفي ظل ظروف دراسية يغلب عليها الاكتظاظ، لم يكن أمام وزارة التربية الوطنية سوى الإعلان المبكر عن تعليق الدراسة الحضورية بجميع المؤسسات التعليمية والتكوينية والجامعية ومعاهد التكوين المهني بتاريخ 13 مارس 2020[1]، أي بعد أسبوعين من اكتشاف أول حالة إصابة بالفيروس، وأياما قبل فرض حالة الطوارئ الصحية وطنيا في 20 مارس.
لقد فرض تحدي وقف انتشار عدوى الفيروس نفسه على السياسة التعليمية، لذلك قررت الوزارة بعد تعويض الدراسة الحضورية بالدراسة عن بعد، إلغاء الامتحانات الإشهادية في سائر مستويات السلك الأساسي (الابتدائي – الثانوي) ماعدا امتحان السنة الثانية بكالوريا الذي أجري في ظروف صحية مشددة أيام 4-7 يوليوز، في حين تقرر إرجاء امتحان الأولى بكالوريا وامتحانات الدورة الثانية من سلك الإجازة في المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح، والمراكز الجهوية للتربية والتكوين إلى بداية الدخول الدراسي القادم.
ساعدت عدد من المعطيات على اتخاذ الإجراءات السابقة أبرزها؛ إنجاز حوالي 75%من المقرر الدراسي قبل تعليق الدراسة الحضورية[2]، والاستشعار المبكر لخطورة الفيروس على التعليم مع النداء الذي أطلقه الطلبة المغاربة في المقاطعة الصينية ووهان للمطالبة بالعودة إلى المغرب أواخر شهر يناير.
مع ذلك يسود غموض شديد حول النموذج التربوي المعتمد خلال الدخول المدرسي المقبل (تعليم حضوري أو عن بعد أو هما معا)، بسبب عدم القدرة على التنبؤ بمسار تطور الوضعية الوبائية كما صرح بذلك رئيس الحكومة[3]، ورغم أن الوزارة الوصية أصدرت في 6 غشت 2020 مقررا وزاريا ينظم السنة الدراسية القادمة[4]، فهم منه توجه الوزارة نحو دخول دراسي عادي يعتمد التعليم الحضوري، فإن الوزراة سرعان ما أصدرت بلاغا في 9 غشت توضح فيه أن “المقرر الوزاري لم يحسم بشكل قاطع في النموذج التربوي الذي سيتم اعتماده في الدخول المقبل”[5].
إلا أن ما يزيد الوضع تعقيدا؛ هو ترحيل عدد من استحقاقات الموسم الدراسي المنصرم إلى الموسم القادم، خصوصا تأجيل امتحانات السنة الأولى باكلوريا وامتحانات الدورة الثانية من فصول سلك الإجازة إلى شهر شتنبر 2020، وكذا امتحانات الدورة الثانية بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين إلى شهر نونبر من نفس السنة.
فهل تستطيع هذه المؤسسات تدبير هذه الاستحقاقات إضافة إلى استحقاقات التسجيل للموسم القادم، وامتحانات الولوج للماستر والدكتوراة؟
- التعليم عن بعد وسؤال تكافؤ الفرص
سرعت وضعية الجائحة من دينامية رقمنة الدروس التعليمية، إذ لم يكن أمام الوزارة لإنقاذ الموسم الدراسي من سنة بيضاء إلا “حل وحيد” هو التعليم عن بعد، فمنذ إطلاق برنامج (GENIE) لإدماج التكنولوجيا الحديثة في التعليم سنة 2009، لم تتوفر منصة “TelmidTICE” إلا على 600 مادة رقمية إلى حدود انطلاق عملية التعليم عن بعد في 16 مارس 2020 في حين ارتفع هذا الرقم إلى 6200 مادة رقمية في حدود 19 ماي[6].
وبالإضافة إلى اعتماد عدد من المنصات الرقمية بمختلف مؤسسات التعليم والتكوين، وبعض وسائل التواصل الاجتماعي المختارة بشكل فردي من قبل الأساتذة، استعانت وزارة التربية الوطنية ببعض القنوات التلفزية الوطنية (الثقافية، الرابعة، العيون) وببعض الإذاعات الجهوية من قبل الجامعات.
ورغم هذا التحول الكمي في الإنتاج الرقمي للدروس مع وضعية الجائحة، وجهت انتقادات كثيرة لعلمية التعليم عن بعد، كان أبرزها عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين، خصوصا عند متعلمي الأسر الفقيرة والمناطق القروية والنائية من حيث عدم توفرهم على الأجهزة الإلكترونية والإنترنيت، وافتقار الدروس المصورة إلى التفاعل بين المدرس والمتعلمين كشرط بيداغوجي ضروري في توجهات المنهاج المدرسي المغربي، وهو ما يفسر استثناء الوزارة فترة التعليم عن بعد من الامتحانات الإشهادية والمراقبة المستمرة.
من جهة أخرى لم يساهم الضعف الكبير في البنية التحتية الرقمية بمؤسسات التعليم، وضعف الثقافة الرقمية عند عدد مهم من الأساتذة في جودة المنتج الرقمي.
كما كشفت عملية التعليم عن بعد الحاجة إلى حكامة رقمية في العملية التعليمية التعلمية، فمباشرة بعد إعلان الوزارة عن استثناء مستويات دراسية من الامتحانات غادر عدد كبير من المتعلمين المنصات الرقمية فيما انقطع عدد من الأساتذة عن تقديم الدروس عن بعد.
وعموما تحتاج مرحلة التعليم عن بعد إلى المزيد من التقييم العلمي للوقوف على الثغرات التي لابستها، وهو ما وعد به وزير التربية الوطنية خلال جوابه بإحدى جلسات البرلمان[7].
- البحث العلمي في مواجهة الجائحة
دفعت أزمة كوفيد 19 بالبحث العلمي إلى واجهة المنظومة التعليمية في المغرب، ففي ظرف شهرين -تقريبا- من إطلاق الوزارة الوصية برنامجا بحثيا لمواجهة الجائحة بغلاف مالي بلغ 10 ملايين درهم، تلقى المركز الوطني للبحث العلمي حوالي 400 مشروع بحثي لقيت تقييما إيجابيا، ورشح منها 53 مشروعا للاستفادة من الدعم، واحتل منها المجال الطبي والتكنولوجي الصدارة ب60% من المشاريع و69% من الدعم[8].
لقد حظيت اختراعات من قبيل الأقنعة الواقية الذكية وأجهزة التنفس الاصطناعي، والطائرات المسيرة للتوعية والإسعاف عن بعد، وبرامج معلوماتية لتتبع منحى تطور الفيروس، بإشادة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعادت الثقة في الكادر الوطني في مجال البحث والابتكار.
كما ساهم ضغط الكوفيد 19 في تخفيف البحث العلمي من بعض أعطابه المزمنة مثل ضعف التمويل، وتعقيد مسطرة الاستفادة من الدعم، وكثرة وشتات المؤسسات المشرفة، وعدم وجود فرص لتطبيق الاختراعات، ومع ذلك يسود قلق في الأوساط البحثية من أن تكون هذه الانتعاشة لحظية في ظل عدم مأسسة هذه الإجراءات وتحيين القوانين المؤطرة.
على صعيد آخر، وفي ظل إغلاق المكتبات الجامعية، توجهت الوزارة نحو توفير موارد مكتبية رقمية دولية لسد هذا الفراغ (“EBSCO” “المناهل” “CAIRN” و”DALLOZ”)، ورغم غياب معطيات رسمية تبين مدى حجم الإقبال على هذه الموارد، فإن الخطوة تعتبر مهمة خصوصا فيما يتعلق بسد الخصاص المهول الذي تعاني منه المكتبات الجامعية في حجم المراجع، وضعف تحيينها. لكن إتاحة هذه الموارد سرعان ما توقف مع نهاية شهر يونيو، أي نهاية الموسم الدراسي، في حين تعتبر عملية البحث العلمي عملية مستمرة وغير متقيدة بالموسم الدراسي.
وفي ظل الرهانات المجتمعية التي ظهرت مع وضعية الجائحة، من الحاجة إلى تحقيق اكتفاء غذائي، وأمن صحي، وقيم التضامن الاجتماعي.. سيكون على الوزارة إعطاء اهتمام أكبر بالبحث العلمي حتى تؤكد على استراتيجية التحول وعدم ظرفيته.
- قطاع خاص ضعيف
لم تستطع مؤسسات القطاع الخاص أن تتموقع بشكل جيد في الأزمة، وقدمت نفسها للرأي العام والحكومة بمظهر المتلهف على الاستفادة من دعم صندوق الكوفيد 19 بشتى الطرق، فبعدما استقبلت مواقع التواصل الاجتماعي مراسلة ثلاث هيئات[9] ممثلة للقطاع إلى الحكومة للاستفادة من الصندوق باستياء عارم، كشف وزير الشغل والإدماج المهني عن لجوء الكثير من المؤسسات الخاصة إلى المبالغة في التصريح بفقدان مستخدميها لعملهم بنسبة بلغت ثلث مستخدمي القطاع الخاص[10]، لتقرر معه الحكومة استثناء هذا الأخير من الدعم.
من جهة أخرى ساد خلاف كبير بين أرباب المؤسسات وأولياء التلاميذ حول مقدار الرسوم التي ينبغي تأديتها خلال وقف الدراسة الحضورية، ففي الوقت الذي طالبت فيه عدد من المؤسسات الخاصة بعدم مراجعة الرسوم، تشبث أولياء التلاميذ بضرورة الإلغاء الكلي أو الجزئي للرسوم حسب المستويات والخدمات المقدمة، في المقابل توقف دور الوزارة عند لعب دور الوساطة عبر الأكاديميات الجهوية لتلطيف الأجواء، أمام غياب نص في القانون المؤطر يتيح تدخل الوزارة في المسألة المادية بين أولياء التلاميذ والقطاع الخاص[11].
وقد كشفت الوزارة عن شروعها في إعداد مشروع مرسوم يسمح بوضع تصنيف لتسعيرة المدارس في القطاع الخاص، على أساس رقم معاملاتها، أو المعدات التي تتوفر عليها والبنية التحتية وكذلك جودة عروضها التعليمية[12].
على مستوى وضعية أساتذة القطاع وإدارييه كشفت الجائحة عن هشاشة كبيرة نتيجة تدني الأجور وحرمان نسبة مهمة منهم من التغطية الاجتماعية والصحية، وهو ما تفاقم مع اقتطاعات بلغت النصف من أجورهم خلال فترة التدريس عن بعد[13].
في ظل هذه الأجواء المتوترة، وتضرر سمعة القطاع الخاص، لم يخف وزير التربية الوطنية تخوفه من نزوح جماعي لمتعلمي القطاع الخاص إلى القطاع العام مع الموسم القادم، وهو ما يهدد بعودة منحى الاكتظاظ في الأقسام العمومية إلى الارتفاع، إذ يستوعب هذا القطاع حوالي مليون و46 ألف تلميذ، كما يهدد بفقدان حوالي 140 ألف أستاذ لمناصبهم[14].
في كل الأحول ستلعب المنهجية المعتمدة من قبل الحكومة في التعامل مع تطورات الوضعية الوبائية عاملا محوريا في تحديد مصير المنظومة التعليمية المغربية في الآونة القادمة.
الهوامش:
[1] بلاغ صحفي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، 16 مارس 2020:
https://www.men.gov.ma/Ar/Pages/Publication.aspx?IDPublication=5938
[2] جواب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ضمن جلسة الأسئلة الشفهية المبرمجة بمجلس النواب، 18 ماي 2020:
https://www.men.gov.ma/Ar/Pages/DetailActualite.aspx?ActuID=r+q7Y9MQTcM=
[3] من ندوة صحفية لرئيس الحكومة المغربية رفقة وزير الصحة حول تطور الوضعية الوبائية بالمغرب، 19 يوليوز 2020.
[4] المقرر الوزاري الخاص بتنظيم السنة الدراسية 2020-2021، صدر بتاريخ: 6 غشت 2020:
https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/Comm_Mokarar_2020-2021.pdf
[5] بلاغ توضيحي لوزارة التربية الوطنية، 9 غشت 2020:
[6] من تصريح لوزير التربية الوطنية في برنامج “مع أسئلة كورونا” على القناة الثانية، بث بتاريخ: 19 ماي 2020.
[7] حسب جواب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ضمن جلسة الأسئلة الشفهية المبرمجة بمجلس النواب، 18 ماي 2020.
[8] نفس المرجع.
[9] الهيئات التي راسلت رئيس الحكومة هي رابطة التعليم الخاص بالمغرب والفيدرالية المغربية للتعليم والتكوين الخاص ومؤسسة المدارس الكبرى، ونتيجة استياء الرأي العام من المراسلة ستصدر الهيئات بلاغا اعتذاريا بتاريخ الخميس 19 مارس:
https://web.facebook.com/maaepma/photos/rpp.1404501879588508/2974061159299231/?type=3&theater
[10] من مداخلة محمد أمكراز وزير الشغل والإدماج المهني، في اجتماع لجنة التعليم والشؤون الثقافية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020.
[11] القانون رقم 60.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي.
[12] وزارة التربية الوطنية تتدارس مشروع مرسوم حول أسعار المدارس الخصوصية، خبر على موقع 2M.ma.
[13] حوار مع سعيد الشفاج، رئيس الجمعية الوطنية لأساتذة التعليم الخصوصي، جريدة الأيام، العدد 907، 16-22 يوليوز 2020.
[14] من مداخلة وزير التربية الوطنية خلال اجتماع عقدته لجنة الثقافة والتعليم والاتصال بمجلس النواب يوم الثلاثاء 30 يونيو 2020.