قراءة في المسار والتبعات السياسية لانضمام المغرب للاتحاد الإفريقي

قراءة في المسار والتبعات السياسية لانضمام المغرب للاتحاد الإفريقي

أعده للمركز: خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية، جامعة محمد الأول، وجدة 

 

مقدمة

“حانت لحظة الفراق”، كانت تلك الكلمات التي تليت في رسالة وداع الراحل الحسن الثاني طيب اله ثراه إلى الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية بعد قبول “الجمهورية العربية الصحراوية” عضوا فيها تخرج بتثاقل كبير وبشك وريب في مستقبل العلاقات المغربية الإفريقية، ولم يتم تلطيف هذا الاحتقان اللفظي إلا بأمل ينم عن بعد نظر الملك الراحل، حيث جعل المغرب في خدمة إفريقيا من داخل منظمات وجهات أخرى غير منظمة الوحدة الإفريقية، وكيفما كان المنبر الذي يمكن أن يستعمله المغرب لذلك. وربما كان الأمر عسيرا على المغرب الذي كان يمر بأوقات عصيبة على المستويين الداخلي، حيث كان قد دخل في برنامج التقويم الهيكلي، أو المستوى الخارجي حيث كانت قوى الاشتراكية تعمل بجهد كبير قصد تقزيم مجاله الجغرافي، وربما تغيير نظامه السياسي الذي كان يتعرض لأشكال متعددة من الدعاية المضادة.

لقد كانت استراتيجية المغرب قائمة على تحييد المخطط الإفريقي الذي كان يستهدف إقامة استفتاء يخدم مصالح الانفصاليين، فقد كانت التحرشات الأولى بالمغرب قد بدأت مع أول الرصاصات التي أطلقتها جبهة البوليساريو، فسارعت، بدعم كبير آنذاك من جزائر بومدين وليبيا وعدد من الدول الاشتراكية، إلى تكريس مشروعيتها من خلال استصدار توصية من لجنة التحرير التابعة للمنظمة في مابوتو في موزنبيق باعتبارها جبهة تحرير إفريقية، كما عملت الجزائر على إقحام وفد من البوليساريو في مؤتمر المنظمة بالغابون سنة بعد ذلك، حيث تقرر مناقشة القضية في الدورة الموالية، وهو الشيء الذي لم يتحقق لضعف السند القانوني رغم المحاولات المتكررة. ستعمل الجبهة والجزائر بعد ذلك على زيادة الضغط على المغرب ابتداء من مؤتمر الخرطوم سنة 1978 حيث تشكلت لجنة للحكماء لدراسة المشكل وسبل الحل. وقد تبدت للمغرب النية المبيتة لتقسيمه من خلال التقرير الذي رفع من اللجنة المتفرعة عن لجنة الحكماء التي قدمت لمؤتمر القمة في منروفيا سنة 1979.

إن هذا المسار المسارع الذي فرضته الجزائر والقوى الإفريقية الاشتراكية آنذاك على المغرب عجل برد فعل الملك الراحل الحسن الثاني بقبول فكرة الاستفتاء في قمة نيروبي سنة 1981، ويعد ذلك عملا استراتيجيا لوقف مخطط انضمام ما يسمى الجمهورية الصحراوية إلى المنظمة الذي كانت تخطط له الجزائر منذ بداية المواجهات العسكرية سنة 1975، لكن كان انضمام الجمهورية المزعومة للمنظمة مجالا لحركة أكبر للمغرب، حيث اعتبر أعمال اللجنة الإفريقية للتحضير للاستفتاء ووقف إطلاق النار مسألة متجاوزة، ناهيك عن عدم حياد المنظمة بقبولها طرفا كدولة ثم السعي للاستفتاء.

لقد عاش المغرب في عزلة سياسية في علاقته مع المنظمة التي تحولت سنة 200 إلى الاتحاد الإفريقي لكن مسارات الهيمنة الداخلية لم تبرح محاور نافدة فيها تتمثل أساسا في محور الجزائر أبوجا فريتاون، وهو ما صعب مهام المغرب في علاقته بها خاصة على مستوى قضية الوحدة الترابية حيث استعملت المنظمة بشكل كبير لمعاكسة الحقوق الثابتة له في الأمم المتحدة، لكن المغرب في نفس الوقت سعى إلى تطوير وتعزيز علاقاته مع عدد من الدول الإفريقية على المستوى الثنائي، بداية بالمحاور التقليدية المتمركزة أساسا في دول غرب إفريقيا الفركفونية ثم منها إلى وسط وشرق القارة. أو المستوى المتعدد الأطراف خارج منظومة الاتحاد الإفريقي قريبا من التوجهات الاقتصادية الاندماجية الإفريقية.

لقد جاءت عبارات جلالة الملك في خطابه أمام مؤتمر القمة في أديس أبابا عقب رجوعه إلى المنظمة في 31 من شهر يناير 2017 مستعيدة الجوانب العاطفية التي رافقت خروج المغرب من المنظمة بطريقة أهانت الشرعية ومشروعية والغايات التي أوجدت من أجلها، وهذا ما عبر عنه الملك بقوله : “كم هو جميل هذا اليوم الذي أعود فيه إلى البيت بعد طول غياب، اليوم الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري للمكان الذي أحبه…”، وهذا كله دلالة عن الفرح بالعودة بطريقة وجدانية، لكن أيضا بطريقة واقعية فيها الكثير من التحدي للخصوم الذي حاولوا عرقلة هذه العودة، حيث أن إفريقيا اليوم هي ورش كبير للتنمية ومجال خصب للتعاون الاقتصادي، وهو ما جعل عودة المغرب ليست فقط تحديا بل مسارا وخريطة للبناء المستقبلي.

إن قراءة العوامل التي ساهمت في تعزيز قرار العودة وكذا تتبع الخيارات التي يمكن أن تكون مفتوحة أمام دخول المغرب إلى المنظمة استراتيجيا وحضاريا وما يرافق ذلك من تحديات سياسية تعتبر ذات أهمية في قراءة هذه العودة من وجهة مستقبلية استشرافية بعيدا عن السرد التاريخي أو التحليل الوصفي.

بذلك يمكن أن يكون الإشكال الرئيس في تحديد وضع المغرب الجديد في إفريقيا استراتيجيا بناء على مقاربة شاملة تستهدف تحديد الجوانب المؤثرة في أوضاع القوة والضعف في هذه الاستراتيجية، وذلك بناء على رؤية تشمل جانبين؛ الأول هو فهم دواعي العرقلة التي وضعت أمام رجوعه، والتحديات القانونية والعملية داخل الفضاء المؤسساتي للاتحاد، والثاني العلاقة بين وجود المغرب واستمرار وجود ما يسمى بالجمهورية الصحراوية في نفس المنظمة هل يمكن ترقب مداه؟

أولا: إشكالات العودة وتحدياتها

يجمع هذا المستوى ثلاثة أسئلة محورية؛ الأول حول مفهوم الانضمام، وهل يمكن الحديث عن العودة؟ والثاني حول علاقة الانضمام بمسألة الاعتراف بالدول الأعضاء أو دولة عضو في المنظمة؟ والثالث حول غايات العرقلة التي تبناها بعض الأطراف ضد المغرب.

السؤال الأول يرتبط بإشكالية بسيطة كانت محل تجاذب لغايات متعددة، لقد أصر المغرب على مراسلة مفوضية الاتحاد الإفريقي باعتباره يرغب في العودة إلى مؤسسات الاتحاد، في حين كان البعض يرى أن الأمر يرتبط بانضمام لمنظمة جيدة لم يكن أبدا المغرب عضوا فيها، بل كان عضوا في منظمة أم سبق تعويضها بمنظمة جديدة.

وبعيدا عن مسألة هل الاتحاد الإفريقي هو امتداد لمنظمة سابقة أو وريثها يمكن القول أن هناك وجهتان من الناحية القانونية؛ الأولى تنطلق من مقررات النظام الأساسي لمنظمة الاتحاد الإفريقي التي تحدد مسألة الانضمام في مادتين، هما المادة السابعة والعشرين (27) والتاسعة والعشرين (29)، وبناء على ذلك تعتبر الدول السابقة العضوية أعضاء في المنظمة الجديدة، أما الدول الراغبة في الانضمام فلها مسطرة خاصة، أي أنه بالنسبة للمنظمة كل طلب جديد هو طلب للانضمام وليس للعودة، حيث ليس هناك أي إجراء خاص بعودة الدول المنسحبة من المنظمة سوى تلك التي تنطبق عليها مقررات عقابية طبقا للمادة الثلاثون (30)، أو تلك التي تنسحب طبقا للمادة الواحد والثلاثون (31).

من زاوية أخرى، هل يمكن اعتبار القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي استمرارا لميثاق منظمة الوحدة الإفريقية رغم أن المادة الثالثة والثلاثون (33) تحدد الفترة الزمنية للانتقال في سنة واحدة؟

الراجح أنه بالنسبة للمقتضيات المشابهة كما هو الحال بالنسبة للانسحاب (المادة 32 من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية المقابلة للمادة 31 من القانون التأسيس للاتحاد الإفريقي المعنونة بإنهاء العضوية) يمكن أن يعتبر الأمر استمرارا لأن توارث المنظمات الدولية وإن كان لا يتم على مستوى المقررات القانونية التي تم تعديلها إلا بصريح العبارة فإن بقاء المادة على شاكلتها ينم على أن الدول المشكلة للمنظمة الجديدة لم تر أي عنصر جديد فيما يتعلق بالإجراء الواجب اتباعه من الدول الأعضاء، وبما أن المغرب انسحب طبقا لنفس المسطرة فإن عودته للاتحاد الإفريقي ليست انضماما جديدا إلا من الناحية المسطرية، حيث إن تأخره في التعبير عن إرادة الانضمام موازاة مع الفترة الانتقالية التي حددتها المادة 32 من القانون الأساسي كان عاملا لعدم استفادته من مقررات المادة السابعة والعشرين، على اعتبار أن حق العودة للمنظمة يوازي حق الانسحاب منها.

إن مفهوم العودة هنا ذا طابع طبيعي أو واقعي والانضمام يعتبر إجراء قانونيا كما تحدده المادة (29) من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.

وفي تساؤل آخر، ربط البعض مسألة الانضمام بمعطى آخر هو الاعتراف، وهكذا حسب أنصار هذا الطرح فإن انضمام المغرب اعتراف ضمني بجمهورية العربية الصحراوية العضو في هذه المنظمة.

يذهب أنصار هذا الطرح إلى كون مصادقة البرلمان المغربي على القانون التأسيس للاتحاد الإفريقي الموقع بلومي بالتوغو في 11 يونيو 2000، كما تم تعديله بالبروتوكول الملحق به بأديس أبابا بإثيوبيا في 3 فبراير 200، وبمابوتو بالمزمبيق في 11 يونيو 2003 (قانون رقم 01.17، وكذا صدور القانون بالجريدة الرسمية (عدد 6536 مكرر، بتاريخ 21 ربيع الآخر 1438 الموافق ل 20يناير 2017)، والذي يتضمن في مادته الثالثة في باب الأهداف “الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها”، فإن المغرب بذلك ملزم بأن يحترم التزاماته الدولية والتي من بينها احترام سيادة “دولة” عضو في الاتحاد.

إن الدول ملزمة باحترام المقررات التي تتعاقد في إطارها، والانضمام إلى منظمة دولية لا شك يدخل في باب الالتزامات، لكن لا يمكن بأي حال إدخال ذلك في باب الاعتراف بالدول، ذلك أن الانضمام إلى المنظمات الدولية، التي تحمل شخصية قانونية مستقلة عن الدول، لم يرد كشكل من أشكال الاعتراف الضمني كما هو الشأن في تبادل الرسائل الرسمية أو الدعوات، فالمنظمة الدولية لها شخصية قانونية وظيفية تعطى لها لممارسة المهام الموكولة لها،ولا ينتج عن ذلك تبعات من قبيل الاعتراف.

ولقد ظل الاعتراف بالدول، ولفترة طويلة، حكرا على الدول الأوربية أو من أصل أوربي (الولايات المتحدة…) مع استثناءات نادرة (اليابان، تركيا، المغرب…) حيث ظل الاعتقاد سائدا بأن باقي المناطق والقارات هي أراضي بدون سيد أو بدون مالك (Terra nullius) وبأن شعوبها تفتقر إلى عمل التمدن والتحضر، وهو ما برر الحركات الاستعمارية…

وحتى في العصور الحديثة وخاصة في ظل الثنائية القطبية (1945-1991) ظل الاعتراف بالدول متأثرا بالعوامل السياسية والعقائدية والإيديولوجية.

غير أن تطور السياسة الدولية أفضى بانتصار مذهب المرونة في مجال الاعتراف بالدول الجديدة حيث تحظى الدول الصغيرة جدا (Micro_Etats ou Etats exigus) بالاعتراف إذ لا يمر وقت طويل بين ميلادها وانضمامها للمنظمات الدولية وللأمم المتحدة بالخصوص.

أما الاعتراف بالحكومة فتطرح إشكاليته عند ميلاد حكومة جديدة (داخل دولة قديمة أو قائمة) وتطمح في ممارسة الحكم أو تستولي فعلا على مقاليد الحكم بطرق غير دستورية (ثورة، انقلاب عسكري…).

ولقد مر الاعتراف بالحكومة بعدة نظريات تقدمتها تاريخيا نظرية الشرعية الملكية Légalité monarchique (حينما كانت كل أو جل الأنظمة الأوربية ذات طبيعة ملكية وكان التحفظ المتفق عليه في إطار التحالف المقدس إزاء الثروات على الأنظمة الملكية يحد من الاعتراف بالحكومات الجمهورية). ثم حلت محلها الشرعية الديمقراطية Légalité démocratique (أو نظرية طوبار Doctrine Tobar) في بداية القرن (1907_1930)، ومضمونها التحفظ على الاعتراف  بأية حكومة استولت على مقاليد الحكم بطرق غير دستورية قبل أن تحظى بالشرعية وبالقبول من قبل الشعب أو من طرف ممثليه. أما انطلاقا من 1931 فإن النظرية السائدة هي الشرعية المرتبطة بالفعلية Légitimité liée à l’effectivité  ) ou Doctrine Estrada) ومفادها أن الاعتراف بالحكومة غير الدستورية الجديدة مرهون بمدى ممارستها الفعلية لسلطتها، إن لم يكن على مجموع السكان وكافة التراب الوطني فعلى الأقل على الجزء الأكبر منها.

ويتخذ الاعتراف ( بالدولة وبالحكومة الجديدتين) عدة أشكال حيث يكون صريحا أو ضمنيا(Expresse ou tacite) فرديا أو جماعيا (individuelle ou collective ) قانونيا أو فعليا ( de jure ou de facto).

ويستفاد الاعتراف الصريح والقانوني من نصوص مكتوبة أو من بلاغات أو تصريحات رسمية تلزم الدولة التي صدرت عنها، أما الاعتراف الضمني أو الفعلي فيقرأ بين السطور أو يستخلص من تصرفات وأفعال تعبر وتثبت وجوده، وقد تصدر الاعترافات الصريحة والضمنية القانونية والفعلية عن كل دولة بصفة انفرادية ومنعزلة أو عن مجموعة من الدول تنسف موقفها وتعبر عنها بصفة جماعية.

إن انضمام دولة جديدة أو قبول حكومة جديدة في منظمة دولية لا يمثل صورة من صور اعتراف الدول الأعضاء في المنظمة، فليس هناك علاقة آلية وبديهية بين قبول دولة أو حكومة جديدة في منظمة دولية واعتراف الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة الدولية بهذه الدولة أو الحكومة نظرا لإمكانية هذا التعايش لفترة طويلة من دون أن يفضي الانضمام والعضوية إلى الاعتراف.

وما دام هناك نقاش حول علاقة الاعتراف بالانضمام للمنظمات فإن التساؤل الذي يمكن طرحه هو هل تملك “الجمهورية الصحراوية” العدد الكافي من اعتراف الدول الإفريقية للبقاء في المنظمة؟ وليس العكس حيث تريد أن تربط بين انضمام المغرب واعترافه بالدول الأعضاء، ناهيك عن اعتباره “الجمهورية الصحراوية” كيانا لا يرقى إلى المستوى السياسي.

التساؤل الموالي هو، ما هي أشكال المناهضة ولماذا كانت مواقف أطراف ودول مناوئة لعودة المغرب للمنظمة؟

لقد اعتمد المناهضون لعودة المغرب للمنظمة الإفريقية على ثلاث محددات؛ الأول يعتبر أن القراءة الدستورية الداخلية تناقض مقررات النظام التأسيسي للاتحاد، معتمدين في ذلك على مقررات دستورية، ولاسيما الفصل الواحد والأربعون (41)، التي تقرر أن المغرب دولة موحدة وأن الملك هو ضامن حدودها الحقة، وأن مقررات الاتحاد الإفريقي تنص على احترام وحدة وسيادة الدول الأعضاء.

والحقيقة أن الاحتجاج بالمقررات الداخلية للدول فيه تجاوز للاختصاص وتدخل سافر في شؤون الدول، ودعوة لتغيير أنظمتها الدستورية وهو الشيء المخالف لروح وغايات القانون التأسيسي للاتحاد بل أيضا للمبادئ التي تقوم عليها العلاقات الدولية والمقررة مثلا في ميثاق الأمم المتحدة. لذلك ليس من اختصاص أي جهة أو مؤسسة من مؤسسات الاتحاد النظر في المقررات الداخلية قانونية أو غيرها للبث في طلب الانضمام، فالفصل التاسع والعشرون (29) واضح، وهو إلى جانب شروط جوهرية يتحدث عن ضوابط شكلية ترافق طلب الانضمام للاتحاد الإفريقي؛ فالشروط الجوهرية أو التأسيسية هي أن تكون الدولة إفريقية الانتماء، وأن يدخل القانون التأسيسي حيز التنفيذ، أما الشروط أو الجوانب المسطرية فهي أن تخطر الدولة الراغبة في الانضمام رئيس اللجنة (المفوضية) نيتها الانضمام إلى القانون والعضوية في المنظمة، ويتم الإخطار بكل الوسائل التي تفيد ذلك، ومنها المراسلة والتعبير المباشر والصريح من مثل الدولة الذي يحوز هذه الصفة.

الإجراء الثاني للتعطيل تمثل في تأخير توزيع رسالة المغرب من طرف المفوضية التابعة للاتحاد، فبعد مراسلة المغرب قامت ممثلة هذا الجهاز بعملية لتأخير توصل الدول بمراسلة المغرب، كما ينص على ذلك القانون التأسيسي، قصد تعطيل جوابها حتى مرور القمة التي كان مزمع انعقادها في يناير 2017.

والحقيقة أن هذا التصرف يعود لعاملين؛ العامل الأول هو ضعف الأداء الإداري للأمينة “زوما”، حيث يمكن اعتبار فترة إدارتها من أسوأ المراحل وقلتها خبرة، ففي حين أن حضورها بمقر الاتحاد كان شبه منعدم، حيث أصبح مساعدون في مقدمة المشهد يتصرفون بالنيابة ويحددون الأولويات كانت السيدة زوما منشغلة بالمقررات الداخلية في جنوب إفريقيا، حيث تمهد للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، وهذا الأمر أثر بشكل كبير على الوظيفة المنوطة بالمفوضية ووضعها في رهانات تحكمت فيها بشكل كبير عوامل سياسية حركها خصوم المغرب الأساسيين بالمنظمة وعلى رأسهم الجزائر.

العامل الثاني هو التصور الذي تبناه بعض الدول لتأجيل انضمام المغرب، وهنا يطرح السؤال حول الغاية من ذلك؟

الغالب أن هذه الدول كانت على علم تام بكون المغرب سيكون عضوا في المنظمة، وأنه من الصعب منع انضمامه، لذلك كان الرهان على تصويره، أولا، كدولة منبوذة إفريقيا من جهة، والحصول على انتصار وهمي على الأقل في مقابل الدول التي تعتبرها تحت إمرتها في القارة، وأمام شعوبها التي وعدتها بأن “تلقن المغرب درسا” في المنظمة الإفريقية. أما الأمر الآخر فهو تأجيل الدور المغربي في أروقة ومؤسسات الاتحاد الإفريقي خاصة فيما يتعلق بالتصويت على رئيس المؤتمر وعلى بعض الهياكل، فرغم أن المغرب لم يكن له الحق في التصويت فإن حضوره الدبلوماسي يمكن أن يكون أقوى مع إعلان انضمامه إلى المنظمة، وهو ما تكرس فعلا رغم أن خصومه تشبثوا بمقولة أن المغرب يسعى إلى “تقسيم إفريقيا”، حيث اعتبروا تجمع دول ضد مسارات تقليدية كانت تفرضها كل من الجزائر وجنوب إفريقيا بالأساس مسارا وتكتلا معاديا لمبادئ الاتحاد الإفريقي.

إن مرحلة ما قبل انضمام المغرب تعتبر مرحلة جد مهمة لأنها أبرزت بشكل واضح تحول القيم التحكمية التي كانت تفرضها دول بعينها على مسارات الوحدة الإفريقية، وتبين أيضا أن الادعاء بكون الاتحاد الإفريقي هو الذي يقف وراء بعض أشكال التصعيد ضد المغرب فيما يخص إشكالية الوحدة الترابية للمغرب وقضية الصحراء بالأمم المتحدة هو محط افتراء على المنظمة، ذلك أن المسألة العددية لم تكن قط قائمة في اتخاذ القرار، وأن مسار العداء للمغرب هو سياسة توافقت حولها دولتان بالأساس هما الجزائر وجنوب إفريقيا.

أما الممارسة الثالثة لقطع الطريق عن المغرب في الاتحاد فقد تمثلت في اعتبار قبول الانضمام لا يتم إلا باختصاص المؤتمر طبقا للمادة التاسعة الفقرة “ج” من القانون التأسيسي التي جاء فيها من ضمن اختصاص المؤتمر: “بحث طلبات الانضمام إلى عضوية الاتحاد”، وبالتالي فإن الإجراءات الشكلية السابقة عليه، والمتمثلة في مراسلة المفوضية وقبول عدد من الدول بالأغلبية النسبية يتناقض مع روح القانون، والحقيقة أن هذا التأويل متطرف أولا، لأن الاختصاص المذكور في المادة التاسعة للمؤتمر لا تنطبق إلا في الحالات التي يكون فيها إشكال على مستوى الانضمام طبقا لأحكام المادتين السابعة والعشرين والتاسعة والعشرين، فالمؤتمر يختص في النظر في القضايا التي تعتبر إجرائية طبقا للمادة السابعة التي تقول: “يتخذ المؤتمر قراراته بالإجماع. وإن تعذر ذلك فبموافقـة أغلبيـة ثلثي الدول ا لأعضاء في الاتحاد، غيـر أن البـت فـي المسـائل الإجرائية بما في ذلك معرفة ما إذا كانت مسألة ما إجرائيـة أم لا يتم بأغلبية بسيطة”، وبما أن الانضمام هو إجرائي وليس جوهريا فإن القرار يكون بأغلبية نسبية أو أن يطرح الأمر للتصويت حول ما إذا كان مسألة شكلية، ناهيك عن كون مسألة القرار هنا لا تعني بطريقة آلية التصويت أثناء انعقاد المؤتمر بما أنه مشكل من الدول الأعضاء، وبالتالي فمنطوق المادة التاسعة والعشرون واضح حيث يكفي الأغلبية النسبية من ردود الدول حول انضمام المغرب، وهو ما تحقق وما عبر عنه رئيس المؤتمر المنتخب ألفا كندي بقوله أن المغرب حاز العضوية سواء بالجوانب الإجرائية أو بالنظر إلى طريقة ديمقراطية عدديا.

إن هذا النقاش الذي مر على مستوى المؤتمر والذي توج بقبول المغرب كعضو وإلقاء جلالة الملك خطابا تاريخيا أمامه يعتبر تحولا في موازين الرؤى الاستراتيجية بالنسبة للدول الإفريقية حيث لم تعد كثير منها تخضع لمنطق التبعية القائم على بنيات هشة وفاسدة بل على أنظمة تميل نحو الديمقراطية والتنموية وهو ما تنبه إليه المغرب عمليا وعبر عنه الملك في خطابه الموجه للمؤتمر.

ثانيا: أولويات وتحديات الانضمام

الكثير من التحديات يمكن أن تجابه انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سواء تعلق الأمر بالجوانب المؤسساتية الداخلية أو المنهج والاستراتيجة الممكن اتباعها، وإشكالية وجوده إلى جانب “الجمهورية الصحراوية” كعضو بالمنظمة هل يستدعي ذلك العمل على طردها أم فقط تقزيم أدوارها؟

إن الاتحاد الإفريقي هو مجموع مؤسسات وليس فقط المؤتمر أو القمم، لذلك فالعضوية لوحدها لا يمكن أن تخدم مصالح المغرب بل لا بد من تعزيز تواجده في العديد من المؤسسات الداخلية، وهذه المؤسسات هي بالأساس:

  • اللجنة أو المفوضية، التي تتكون من عشرة أعضاء؛ رئيس ونائبه وثمانية مفوضين أم أعضاء، وقد اعتبر انتخاب وزير الخارجية التشادي موسى فقي محمد نوعا من تحول الثقل نحو وسط إفريقيا بدل الارتهان السابق بجنوب إفريقيا حيث كانت ترأسها السيدة زوما. والمفوضية مقسمة بدورها إلى “مجالس” موضوعاتية (تسمى أيضا مفوضيات) تتضمن؛ السلم والأمن، الشؤون السياسية، التجارة والصناعة، البنية التحتية والطاقة، الشؤون الاجتماعية، الاقتصاد القروي والفلاحة، الموارد البشرية، العلوم والتقنيات والشؤون الاقتصادية.

في هذا المستوى يمكن إبداء ثلاث ملاحظات؛ الأولى أن الدول الإفريقية القوية دأبت على اعتبار بعض المجالس الموضوعاتية حكرا عليها، وأن قوتها تنعكس في رئاستها، كما هو الشأن بالنسبة لمجلس السلم والأمن، التي انتخب على رأسها الجزائري، فهذا المجلس شبيه بوظائف مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة، حيث يمكن أن يكون له تأثير على قرارات الاتحاد وعلى مسارات حل النزاعات، وهو غالبا ما يعكس توازن القوى إقليميا بين الدول داخل الفضاء الإفريقي لأن العضوية به رهن بالمساهمات العسكرية والمالية للدول، وبالتالي فالدول الأغنى إفريقيا والأكثر حضورا على المستوى العسكري سيكون لها تأثير في قراراته، فالأعضاء الخمسة عشر المكونين له يمثلون من جهة خمسة أفضية جغرافية هي شمال إفريقيا والبحيرات الكبرى وجنوب إفريقيا وإفريقيا الوسطى وأخيرا غرب إفريقيا، إلى جانب عشر دول أخرى أعضاء.

الملاحظة الثانية، هي أن بعض الدول يمكن أن تعتبر المغرب دولة ذات ميولات اقتصادية وتلصق به المجالس ذات الطابع الصناعي والفلاحي والتقني باعتبار أن مدخله في علاقته بالدول الإفريقية مدخل اقتصادي، وهو سيكون نوعا من التخلص من الدور المغربي على مستوى حفظ السلم والأمن الإفريقي.

الملاحظة الثالثة، هي أن مجلس السلم والأمن دأب على مراسلة الأمم المتحدة وأمينها العام حيث يدعوه دائما لتبني مواقف معادية للوحدة الترابية للمغرب، وبالتالي فإن القرارات التي ستصدر عن المجلس يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة بعد انضمام المغرب للاتحاد.

  • اللجان الفنية الأخرى: التي يمكن أن تكون منبرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول وتوحيد السياسات وتقاربها على المستوى القطاعي، وبالتالي فالحضور المغربي وإن لم يكن بنفس الأهمية المرتبطة بمجلس السلم والأمن مثلا فإنه لا يجب أن يغفل أدوارها، خاصة أن لها علاقة بالمشاكل الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية بإفريقيا. ومن هذا اللجان؛ لجنة الاقتصاد الريفي والفلاحة، اللجنة المالية والتمويل، لجنة التجارة والجمارك والهجرة، إلى غيرها من اللجان التي تعكس أهمية عملية للمغرب.
  • المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي يقوم على تعزيز أدوار المجتمع المدني الإفريقي، والذي له مهام متعددة ومهمة.

وبذلك فالمغرب يجب أن يجد قدما في كل هذه المؤسسات إلى جانب كل من البرلمان الإفريقي والمحكمة الإفريقية.

أما مسألة وجوده إلى جانب ما يسمى ب “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وهذا يستدعي الكثير من نقط النقاش، لكن يمكن اختزال المسألة في مسألتين؛ الأولى حول الموقف الذي يتبناه المغرب باعتباره دولة لا تعترف بها لكنها عضو في المنظمة وهناك من الدول من يعترف بها داخلها. والثاني إذا ما تبنى استراتيجية لطردها فما هي المداخل لذلك؟

الغالب أن هناك إشكالات متعددة في تعامل المغرب، الذي ليس فقط لا يعترف بالجمهورية الصحراوية بل لا يعتبرها سوى كيان مصطنع لا يرق إلى مستوى الكيان السياسي، فمن جهة يمكن أن يحتضن المغرب أشغالا مرتبطة بأنشطة الاتحاد مما سيكون معه مضطرا لاستقبال وفد عن “الجمهورية”، لأنه لم يثبت أنه في إطار المنظمات الدولية ترفض دولة مستضيفة “دولة” عضو أخرى لاعتبارات ترتبط بالموقف من الاعتراف سواء كان يرتبط بالدولة أو بالحكومة. لذلك يمكن أن يكون التعايش بين المغرب وهذه “الدولة” العضو في منظمة الاتحاد الإفريقي مستحيلا خاصة مع إمكانية طرح قضية الصحراء في منابر متعددة داخل مؤسساته لإحراج المغرب.

تبعا لذلك، يمكن أن يتبنى المغرب، بعد استكمال انضمامه قانونيا، استراتيجيتين ليفقد هذا الكيان صفة العضو داخل المنظمة، وذلك يمكن أن يأخذ شكلين:

الأول، يرتكز على مفهوم الإصلاح المؤسساتي الداخلي طبقا لمنطوق المادة الثانية والثلاثون التي جاء في فقرتها الأولى: “يجوز لأية دولة عضو تقديم مقترحات لتعديل أو مراجعة هذا القانون”، وتتحدد المسطرة تبعا للفقرة الثانية والثالثة والرابعة، التي جاءت كالتالي:

“2. تقدم المقترحات المتعلقة بالتعديل أو المراجعة إلى رئيس اللجنة الذي يقـوم بدوره بإحالتها إلى الدول الأعضاء في غضون ثلاثـين (30) يوما مـن استلامها .

  1. يقوم مؤتمر الاتحاد، بناء على توصية من المجلس التنفيذي، بدراسة هـذه المقترحات في فترة زمنية مدتها عام بعد إخطار الدول الأعضـاء طبقـاً لأحكام الفقرة الثانية من هذه المادة.
  2. يتم إقرار التعديلات والمراجعة من جانب مؤتمر الاتحـاد بالإجمـاع، أو بأغلبية الثلثين في حالة تعذر ذلك. وتقدم إلـى جميـع الـدول الأعضـاء للتصديق عليها و فقا للإجراءات الدستورية لكل دولة، وتدخل حيز التنفيـذ بعد مرور ثلاثين (30) يوما من إيداع وثائق التصديق لدي رئيس اللجنـة من قبل ثلثي الدول الأعضاء”.

إن رهان المغرب على الإصلاح المؤسساتي يمكن أن يستهلك منه جهدا سياسيا وزمنيا كبيرا، ويمكن أن تكون نتائجه ضعيفة بالمقارنة مع حجم التحدي الذي يمكن أن يجابهه.

الثاني، هو الاعتماد على مقررات القانون التأسيسي فيما يتعلق بأدوار المحكمة الإفريقية للعدل، كما جاء في المادة الثامنة عشر (18)، التي جاء في فقرتها الأولى: “يتم إنشاء محكمة عدل تابعة للاتحاد”، والمحكمة طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة تقوم على بروتوكول خاص، وهو البروتوكول الذي تم تبنيه في قمة شرم الشيخ سنة 2008، حيث تم إدماجها مع المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان.

والعلاقة بين المحكمة والمدخل لإبعاد “الجمهورية” هو ما تضمنته المادة السادسة والعشرين (26) التي جاء فيها: “تنظر المحكمة في المسائل المتعلقة بتفسير هذا القانـون والتي تبرز عنـد تطبيقه أو تنفيذه، وريثما يتم إنشاء المحكمة، فان مثل هذه المسـائل تحـال إلـى مؤتمر الاتحاد الذي يبت فيها بأغلبية الثلثين”.

شارك عبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *